أقام مركز الإمام البخاري للبحث العلمي والدراسات الإسلامية، ندوة بعنوان «الأمن الفكري ومسؤولية حمايته»، برعاية مفتي الجمهورية اللبنانية القاضي الشيخ عبد اللطيف دريان ممثلا برئيس المحكمة الشرعية في طرابلس القاضي الشيخ سمير كمال الدين.
حضر الندوة التي أقيمت في فندق كواليتي إن بطرابلس يوم السبت 26 آذار 2016 الساعة الرابعة عصرا: عبد الرزاق قرحاني ممثلا الرئيس نجيب ميقاتي، الدكتور عمر الشامي ممثلا الوزير أشرف ريفي، مرعب شديد ممثلا الوزير سجعان قزي، الدكتور مصطفى الحلوة ممثلا النائب محمد الصفدي، مفتي عكار الشيخ زيد زكريا، سفير أندونيسيا في لبنان أحمد حميدي، حسن الطيار ممثلا الوزير المفوض في السفارة السعودية فواز الشعلان، النقيب طلال حمدان ممثلا المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، المقدم أمين فلاح ممثلا المديرية العامة لمخابرات الجيش، رئيس دائرة أوقاف طرابلس الشيخ عبد الرزاق إسلامبولي، رئيس دائرة أوقاف عكار الشيخ مالك جديدة ممثلا بالشيخ علي السحمراني، مسؤول الجماعة الإسلامية في عكار محمد هوشر ممثلا بالشيخ سعد فياض، وحشد من ممثلي الهيئات التربوية والعلماء وأساتذة المعاهد الشرعية ورؤساء البلديات وطلاب ومهتمون.
بداية تحدث فضيلة القاضي الشيخ سمير كمال الدين فقال: «لم يعلم أن الإسلام أولى اهتماما بشيء كاهتمامه بالعقل، بل قد جعل مناط التكليف كله مرتبطا بالعقل والفهم، وما ذلك إلا لأهميته في دين الله، وقد فشل أعداء الإسلام قديما أن يواجهوا الإسلام عسكريا وباءت كل محاولاتهم بالفشل، ولذلك توجهوا لمحاربة المسلمين في فكرهم وأصالتهم وعقولهم، وكان التوجه هو محاربة الاعتدال وإبعاد شبابهم عنه إما بالانحلال والمياعة والبعد عن التدين، فينشأ شباب أبعد ما يكون عن أصالة دينه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، ينتشر في صفوفه الشهوات وملذات الحياة الفارغة من أي هدف، وإما بزرع الغلو والتطرف ورفض الآخر والتشدد في الدين وزرع أفكار أبعد ما تكون عن الاعتدال والوسطية، إن فكر الغلو والتشدد هذا جلب على الأمة الويلات والخراب والشر العظيم وأصاب أبناء ديننا قبل أن يصيب أهل الملل الأخرى».
أضاف: «إن دين الإسلام تعايش منذ بدايته مع الآخر، وإن أعظم الوثائق التي وضعت في هذا المجال هي تلك التي أسس بنودها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: الأولى بين أهل الإسلام أنفسهم من مهاجرين وأنصار بهدف شد لحمة الوحدة بين المسلمين وطرد منهج التكفير بغير حق من بينهم، فقد كان منهج علماء المسلمين رفض التكفير بين أبناء الإسلام، أما الوثيقة الثانية فهي تلك التي وقعها مع أصحاب الأديان الأخرى، بل مع أسوأ البشر وهم اليهود، وذلك لترسيخ ضوابط وشروط للتلاقي والتعايش مع الآخر، ومع أن قناعة النبي صلى الله عليه وسلم أن اليهود ستنقض هذه العهود والمواثيق، ولكنه كان يريد إرساء قواعد كلامه من بعده بأن التعايش والتلاقي هما المبدأ الشرعي الأصيل».
وقال: «إننا في لبنان وفي هذا البلد أكثر ما نحتاج إلى التكاتف لترسيخ ودعم فكر الاعتدال لكل طائفة من الطوائف، فالتطرف ليس له دين أو طائفة معينة، بل هو موجود بين أفراد كل الطوائف، ومهمتنا أن نقوي فكر الاعتدال وندعم أهله وأصحابه ونتواصل معهم، وسماحة مفتي الجمهورية قد سعى منذ بداية عهده إلى ترسيخ ودعم فكر الاعتدال ونشره في هذا البلد بشكل عام، وندعو الجميع للحذو حذوه في هذا الأمر».
وتابع: «إننا نعتبر الدعوات لسلخ هذا البلد عن محيطه العربي والتدخل في شؤون الدول العربية سياسيا أو عسكريا هي دعوات تطرف وغلو، وإن أهل الاعتدال من ساسة وعلماء دين في هذا البلد يجب أن يقفوا بوجه هذه الدعوات، وإن المملكة العربية السعودية هي إحدى أهم وأبرز الدول الداعمة للاعتدال والمحاربة للتطرف منذ القدم، وإننا نعتبر المملكة بحكامها وعلى رأسهم الملك سلمان وولي عهده وبعلمائها الأجلاء والأفاضل الحصن الأخير في وجه التطرف والغلو، وأن من يصوب رصاصه على مملكة الخير فإنه يصوب رصاصه على آخر حصون الاعتدال في المنطقة».
ثم ألقى مفتي عكار فضيلة الشيخ زيد زكريا كلمة مجمع الإمام البخاري، فقال: «لا ينبغي أن ننتظر من الآخرين ليفرضوا علينا منظوماتهم في سبيل استتباب الأمن في العالم، لأننا نملك منظومة متكاملة ويجب أن نعترف بأننا قصرنا ونقصر في عرضها على العالم، نحن نمتلك منظومة في الأمن والسياسة والتعليم والاقتصاد وفي العدالة والتسامح والمحبة والسلام، وعندما نقصر في عرضها تاركين المجال لأغرار وخبثاء، لا بد أن ندفع ضريبة التقصير في ذلك».
وقال: «ندوة اليوم هي في المسار الصحيح والمسار القويم، فالأمن ليس فقط أمنا عسكريا ولا أمنا سياسيا، ولا زراعيا ولا اقتصاديا فحسب، ومعالجة مركز الإمام البخاري لموضوع الأمن من زاوية الأمن الفكري نحسبها زاوية مهمة جدا، في زمن أصبح دور الشيوخ والأساتذة والمعلمين لأجيالنا اليوم عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وما هكذا يؤخذ العلم وما هكذا يكتسب الفهم، إنما العلم بالمشافهة والمجالسة والتعب في مزاحمة العلماء والجلوس معهم، والأمن الفكري مقدمة هامة لإشاعة الأمن في العالم، حين نحرص أن نتجاوب مع شريحة مهمة من شبابنا وفتياتنا فلا نتركهم لعالم مفتوح، بل نتلقفهم في حلقات وبرامج تثقيف، وهذا دور يتحمله الجميع ليس فقط دار الفتوى، وهي شريكة مع بقية المنظمات والمؤسسات والدوائر حين يفسح المجال للشيخ والعالم والفقيه والمدرس ليقوم بواجبه، فلا يضيق عليه ولا يحجر عليه ولا تفند كلماته وتحور كلماته، وكل ذلك يساهم في ربط مهم بين شريحة أبنائنا وبناتنا، وهم يشاهدون مظالم تحيط بالأمة من شرق وغرب وهم يشاهدون مفاعل الحرب والتهجير والترهيب، فيأتي دور الأمن الفكري لنحفظ أجيالنا من ردود فعل غير منضبطة، ونشيع بينهم الكلمة الطيبة والنصيحة النافعة بالموعظة الحسنة والكلمة الجامعة».
وقال: «لقاء طيب مبارك نشدد فيه على دور جميع المؤسسات، فحماية أجيالنا وشعوبنا ليس واجب شخص أو منظمة فحسب بل هو واجب الجميع، والجمعيات والجهات المسؤولة التي ينبغي أن تقوم بمثل هذه الواجبات هي كثيرة، ولكن نؤكد ونشدد على دور الحكومات ودور الحاكم عندما يقوم بأداء العهد والحكم بالعدل والإنصاف للمظلومين وإعطاء كل ذي حق حقه، فالعدل هو أساس الملك، وإشاعة العدل وإعطاء الحقوق والإنصاف والأخذ على يد السفهاء، كل ذلك يساهم في إشاعة الأمن والأمان».
كما كانت كلمة لسفير أندونيسيا في لبنان السيد أحمد حميدي، والدكتور محمد العادل عن دور الإعلام في حماية الأمن الفكري، والدكتور بسام طراس عن دور الأسرة، والدكتور سعد الدين الكبي عن دور التعليم، وأدار الندوة الشيخ الدكتور محمود العكلا، وعرف بالمتحدثين الشيخ سامر شحود.
وتخلل الندوة توزيع جوائز على طلاب مدرسة الإمام البخاري للشريعة الإسلامية الفائزين في مسابقة القرآن الكريم وفي مسابقة الأمن الفكري، وتوزيع دروع شكر وتقدير على المتحدثين في الافتتاح وفي الندوة.
وصدر في ختام الندوة توصيات جاء فيها:
1- إظهار وسطية الإسلام واعتداله وتنمية مهارات الحوار وتفعيله.
2- توجيه الشباب للرجوع إلى علماء الأمة الربانيين في معرفة وتحديد الأفكار المنحرفة، وفقه القضايا المستجدة والنازلة.
3- الاهتمام بالشباب وغرس قيم الاعتدال فيهم واستثمار طاقاتهم فيما يعود بالخير على مجتمعاتهم.
4- حث الأهل على تنمية ثقافة الأمن الفكري لدى أبنائهم بحسب فئاتهم العمرية المختلفة.
5- دعوة المؤسسات التربوية إلى توجيه الأهل لتعزيز الأمن الفكري لدى أبنائهم.
6- ضرورة إدراج مادة الأمن الفكري في المعاهد والجامعات، وتضمين مادة التربية الإسلامية في المدارس الرسمية والخاصة مذكرة الدروس التعليمية في حماية الأمن الفكري.
7- إدراج مادة الإعلام التربوي في المناهج التعليمية لتنمية مهارات التواصل الاجتماعي عند الناشئة.
8- دعوة مؤسسات التعليم العالي، ومراكز البحث العلمي، إلى إقامة مراكز بحث ورصد إعلامي متخصصة في مواجهة تهديد الأمن الفكري، والرد على حملات التشويه المنظمة.
9- مطالبة دور الإفتاء ووزارات الأوقاف القيام بدورها في حماية الأمن الفكري وإنشاء لجان متخصصة في ذلك، والاستفادة من التجارب الناجحة في بعض الدول الإسلامية ونخص بالذكر لجنة المناصحة في المملكة العربية السعودية.
10- دعوة الحكومات إلى حماية الأمن الفكري من خلال إحلال العدالة الشاملة وتحقيق الإنماء المتوازن في المجتمعات دون تمييز.