حكم خروج النوبة -الطبل والصناجات- مع الجنازة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

     لا يجوز أن تخرج ما يسمّى النوبة مع الجنازة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أن تتبع الجنازة بصوت أو رنَّة، وقد اتفق العلماء على استحباب أن تكون الجنازة صامتةً، ومن أراد أن يذكر الله وهو في الجنازة ذكره في نفسه.
     وأما رفع الصوت بالذكر في الجنازة، أو أن تصحب الجنازة بالمديح والإنشاد مع الطبل الصنّاجات التي يسمّونها النوبة، فهذا حرام باتفاق أهل العلم والفقه في الدين.
     ويجب على أهل العلم أن ينكروا ذلك ولا يقرّوه في بلداتهم وقراهم، وأن يبيّنوا للناس الأحكام الشرعية من مصادرها الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، ومن كتب أهل العلم المؤيَّدة بالدليل، ولا يجوز لهم أن يحلّلوا ويحرّموا موافقةً للهوى، أو ليرضى عنهم الناس، فقد ذمّ الله عزَّ وجلَّ أهل الكتاب الذين اشتروا بآيات الله وأحكام دينه ثمناً قليلاً، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]،
     كما لا يجوز أن تُلوى أعناق الأدلة ليتوصلوا إلى إباحة ذلك بأن يقولوا:
     النوبة تمشي أمام الجنازة لا خلفها، والنهي هو عن اتباع الجنازة بصوت، والماشي أمامها ليس متبعاً لها.
     فالجواب: أن كل من كان يمشي مع الجنازة فهو متبع لها سواء مشى أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو شمالها، لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها، وعن يمينها وعن يسارها قريباً منها».
     ومن الأدلة على ذلك:
1- روى أبو داود في سننه (3171) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُتبع الجنازة بصوت ولا نار»، الحديث فيه ضعف، وقد اتفق العلماء على العمل بمعناه.
2- أخرج الإمام أحمد في مسنده (2/92) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُتبع جنازة معها رنَّة», والحديث حسن.
قال ابن الأثير الجزري في غريب الحديث (2/271): «الرنين: الصوت، وقد رنَّ يرنُّ رنيناً».
3- عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوتٍ عند مصيبة، خمش وجوه، وشق جيوب، وربَّة شيطان»، أخرجه الترمذي (1005) وقال: هذا حديث حسن.
     قال ابن عابدين في الحاشية (3/138): «وينبغي لمن تبع الجنازة أن يطيل الصمت. وفيه عن الظهيرية: فإن أراد أن يذكر الله تعالى ذكره في نفسه، لقوله تعالى: {إنّه لا يحبّ المعتدين} أي الجاهرين بالدعاء. وعن إبراهيم أنه كان يكره أن يقول الرجل وهو يمشي معها: استغفروا له غفر الله لكم. قال ابن عابدين: قلت: وإذا كان هذا في الدعاء والذكر، فما ظنك بالغناء الحادث في هذا الزمان؟» اهـ.
     وقال ابن قدامة في المغني (2/175): «ويكره رفع الصوت عند الجنازة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تتبع الجنازة بصوت. قال ابن المنذر: روينا عن قيس بن عباد أنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث: عند الجنائز، وعند الذكر، وعند القتال[1].
     وذكر الحسن عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يستحبون خفض الصوت عند ثلاث فذكر نحوه. وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وإمامنا وإسحاق قول القائل خلف الجنازة: استغفروا له. وقال الأوزاعي: بدعة، وقال عطاء: محدثة. وقال سعيد بن المسيب في مرضه: إياي وحاديهم هذا الذي يحدو لهم يقول: استغفروا له غفر الله لكم. وقال فضيل بن عمرو: بينا ابن عمر في جنازة إذ سمع قائلاً يقول: استغفروا له غفر الله لكم، فقال ابن عمر: لا غفر الله لك. رواهما سعيد».
     وانظر أيضاً: الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبي الزحيلي (2/517)، فقد ذكر ما ذكره الفقهاء.

 

[1] وانظر مصنف ابن أبي شيبة (3/160) .